تتجدد المخاوف على وقع التصعيد في غزة، من انزلاق المنطقة لخطر حرب إقليمية تهدد ما تبقى من استقرار الشرق الأوسط، خاصة في ظل الكثير من التهديدات التي تصدرها القوى في المنطقة.
فجر 7 تشرين الأول الجاري، كانت المنطقة على موعد مع صراع عسكري وأزمة جديدة بعد أن أطلقت حماس عملية ضد إسرائيل، فيما أطلقت الأخيرة عملية عسكرية، وتواصل شن غارات مكثفة على مناطق عديدة في قطاع غزة.
يأتي هذا وسط مخاوف من انزلاق المنطقة لحرب إقليمية، خاصة بعد أن تورطت قوى دولية وإقليمية في الصراع، حيث أعلنت واشنطن صراحة وقوفها إلى جانب تل أبيب، وأرسلت الولايات المتحدة هذا الأسبوع مجموعة حاملة طائرات إلى المنطقة، وهددت طهران بشكل مباشر، في المقابل تحشد القوات الموالية لإيران في سوريا ولبنان واليمن والعراق قواتها وتهدد بالتدخل.
وحسب مراقبين، فإن الأوضاع في غزة قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل المنطقة، خاصة في حال إقدام إسرائيل على تنفيذ اجتياح بري للقطاع وتهجير سكانه.
ترى الأكاديمية والباحثة الفلسطينية الدكتورة سنية الحسيني أن: “الوضع حرج للغاية خاصة في ظل تهديد إسرائيل بترحيل 2 مليون فلسطيني من غزة في محاولة لتكرار نكبة عام 48 معتبرة أن هذا أشبه بالجنون”.
وقالت سنية الحسيني لوكالتنا إنّ: “إذا لم يضغط العالم العربي والمجتمع الدولي لوقف هذه الجريمة الإسرائيلية، فقد تسقط المنطقة في أتون حرب مدمرة”.
دلالات التوقيت
وعن توقيت عملية حماس، ترى الباحثة الفلسطينية أن: “حماس اختارت التوقيت بعناية، واستفادت من خدعة حرب عام 1973 التي حققت فيها مصر اختراق مهم، كما أن حماس عندما أقدمت على توتير حدود غزة قبل أسابيع من العملية، ثم موافقتها على التهدئة، كان جزء من هذه الخطة”.
وحسب الباحثة، فإن: “توقيت العملية راعى بشكل كبير التطورات الاقليمية والدولية وحتى الأوضاع الداخلية بإسرائيل”، ونوهت إلى أنه: “بالنظر للتطورات الدولية نجد أن حرب أوكرانيا أعطت الانطباع بانشغال الولايات المتحدة والغرب بها، ما يحدّ من تركيز واشنطن على مناطق أخرى من العالم وهو ما سعت حماس لاستغلاله”.
وتابعت الباحثة الفلسطينية: “على الصعيد الإقليمي، وهو عامل يترتب على الجانب الدولي، فقد شهد الإقليم عدد من المواقف التي تدعم تراجع مكانة الولايات المتحدة في المنظومة الدولية، كتراجع واشنطن عن مواقفها المنتقدة للسعودية، وموقف المملكة الجريء الذي رفض الاستجابة للمطالب الأمريكية، وتوسيع تحالفاتها لتشمل الصين وروسيا، فضلاً عن المصالحة السعودية الإيرانية، والتي حسنت من مكانة إيران في المنطقة، وكذلك نجاح صفقة تبادل الأسرى بين إيران والولايات المتحدة، والتي نتج عنها الإفراج عن جزء من أموال إيران المجمدة”.
وأشارت إلى أنه: “بالنظر للداخل الإسرائيلي، وكما يلاحظ الجميع منذ وصول حكومة نتنياهو للسلطة تعاني من مشكلة داخلية، انعكست في التظاهرات المستمرة الرافضة لتوجهات الحكومة اليمينية الدينية، كما ساعد التخبط السياسي الداخلي لإسرائيل، واضطراب علاقة نتنياهو مع بايدن بسبب التعديلات القضائية، لإعطاء انطباع أن هناك أزمة في إسرائيل وهو ما سعت حماس لاستغلاله”.
وترى الباحثة الفلسطينية أنه: “مع هذه العوامل الدولية والإقليمية والإسرائيلية، والتي تمثل نقطة تحول مهمة، وإن لم تكن مكتملة الملامح، جاء العامل الداخلي الفلسطيني ليحسم فكرة العملية خاصة في ظل حالة اليأس التي يعيشها الفلسطينيون من ممارسات حكومة نتنياهو المتطرفة وتصاعد القمع الرسمي من قبل الاحتلال بشكلٍ كبير ضد الفلسطينيين في الفترة الاخيرة، تصاعد أزمة الاستيطان، سواء من حيث زيادة المساحة، وعدد المستوطنين، وتسليح وعنف المستوطنين”.
وتضيف: “أهم نقطة عززت فكرة القيام بالعملية هو تطاول الاحتلال ومستوطنيه مؤخراً وبشكل بالغ على المقدسات الإسلامية والاقتحامات المتكررة للمسجد الاقصى من قبل المستوطنيين واستباحته بطريقة مستفزة، بالإضافة إلى إقدام جيش الاحتلال على الاعتداء على الفلسطينيات في المسجد الاقصى ورحابه، بصورة تستفز أي إنسان يمتلك نخوة وكرامة، وهو ما شددت عليه حركة حماس مراراً وتكراراً”.
الدور الإيراني والأمريكي
وعن الدور الإيراني في العملية، تعتقد الباحثة الفلسطينية أن: “العملية كانت سرية للغاية، ولم تكن معلوماتها متاحة إلا لقلة، وهو ما ضمن عنصر المفاجأة فيها”، لافتة في الوقت نفسه إلى أن إيران وحزب الله حلفاء معلنين للحركة، ويمكن أن تكون هناك تفاهمات على الفكرة العامة، وردود الفعل، لكن ليس بشكل محدد.
وترى الدكتورة سنية أن: “تدخّل أمريكا في الحرب وإرسال بوارج يحمل دلالة معروفة هي استمرار التزام واشنطن بوجود إسرائيل بشكل صارخ وعلى حساب كل دول المنطقة، والتصريحات الأمريكية الأخيرة خلال التطورات الميدانية تؤكد ذلك، معتبرة في الوقت نفسه أن “التدخّل الاميركي لم يأتِ فقط لإبراز الدعم المطلق لإسرائيل فقط، وإنما جاء كرسالة لردع حزب الله من التدخّل لنصرة حركة حماس، وليس بهدف التدخّل الفعلي في هذا الهجوم”.
وتضيف: “أرادت إسرائيل أن تقول لحزب الله إن تدخلها في هذه اللحظات يعني أنها ستواجه رداً أمريكياً وليس إسرائيلياً فقط، وتم التهديد بتدمير لبنان، لتذكير الحزب بحرب 2006، خصوصاً في ظل الضغوط الحالية في لبنان. كما أن حزب الله يتدخّل بشكل مضبوط أيضاً ليرسل رسالة رادعة للاحتلال، بأن الحركة جاهزة للتصعيد، في حال إقدام الاحتلال على اجتياح غزة برياً”.
أما عن السيناريوهات المتوقعة ومدي إمكانية تطور الصراع لحرب إقليمية، أكدت الباحثة الفلسطينية أنه: “لا أحد يستطيع أن يتوقع نشوب حرب إقليمية، لكن التوترات الحالية خطيرة، ومن المعروف أنه في مثل هذه الظروف، وحتى في حال عدم رغبة الأطراف بالذهاب لحرب إقليمية، إلا أنها ممكن أن تندلع نتيجة سوء تقدير أو خطأ في التصرف”.
مرحلة جديدة
لكن الأكاديمي الإماراتي الدكتور سالم الكتبي المتخصص في العلاقات الدولية يستبعد فكرة حدوث حرب إقليمية مؤكداً أن ليس هناك دول مستعدة للتضحية بنفسها لأجل “منظمات إرهابية” حسب وصفه.
وقال الكتبي لوكالتنا: “الشرق الأوسط يتجه لمرحلة جديدة تتغيّر فيها موازين قوى وتخرج قوى جديدة، معتبراً أن المرحلة الحالية هي حدّ السيف ما بين التبجح بالبطولات وبين الإقدام على الانتحار”.
وأوضح الكتبي: “نعيش مرحلة تفجير الوضع الاستراتيجي مسبقاً، ومحاولة إدخال المنطقة العربية في أتون حرب المتسبب والرابح فيها إيران على كل الصعد”.
لافتاً في الوقت نفسه إلى أن هذا: “المخطط ينتظره الفشل والمرحلة الجديدة ستشهد مسح تنظيمات أو قيادتها من الموجود وبالتالي تفقد إيران جزء من أذرعها في المنطقة”.
وعن الدور الإيراني في العملية، أكد الخبير الإماراتي أن: “تصريحات قادة حماس متضاربة، والحركة فشلت أن تبرر العملية التي أدخلت غزة في حرب دموية”، معتبراً أن حماس مجرد أداة وضعت لتنفيذ أجندة لكن المفاجأة كانت أكبر من المتوقع والكل الآن يتبرأ من الآخر.
وتابع: “حتى حزب الله وحركة أمل يعلمان أنه سيتم محوهما فعلياً وما يقومان به فقط لرفع المعنويات، ولكن عموماً لننتظر النتائج وهل فعلاً سيكون رد الفعل بذاك القدر من القوة، الأيام حبلى والتقديرات كثيرة”.