كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، عندما بدأ الفرمان الـ 74 بحق الإيزيديين، وكانت شنكال هي الهدف، بقي أهلها في مواجهة داعش وحدهم، تقول الرئيسة المشتركة لمجلس شنكال: “إن مرتزقة داعش هم من شنوا الهجوم، لكن هناك من وجّههم ومهّد الطريق لهم واتفق معهم”.
قرابة الساعة الثانية بعد منتصف الليل، من يوم 3 آب 2014، تعالت أصوات الرصاص في قريتي تل عزير وكرزك وجدالة القريبة منها، وبعدها في قرية سيبا شيخ خدر، وسرعان ما حدثت المواجهات الأولى بين المتطوعين من أهالي شنكال ومرتزقة داعش.
بداية الهجوم كان على قرية تل عزير، حيث كان أهالي القرية مستعدين لمواجهة داعش وحفروا الخنادق، بعد أن تيقنوا أن بيشمركة الديمقراطي الكردستاني لن تدافع عنهم، ولأن المقاومة كانت قوية في تل عزير وقرية جدالة الملاصقة لها، توجهت عربات داعش نحو كرزك القريبة منها، وهناك كانت المعركة التي يقول عنها أهالي شنكال “المعركة الأولى”.
بعد أن احتل داعش مدينة الموصل في 10 حزيران 2014، استعد لشن الهجوم على شنكال انطلاقاً من هناك، ومع استعداد الإيزيديين للمقاومة، تخلى بيشمركة حزب الديمقراطي الكردستاني والجيش العراقي عنهم وتركهم دون ذخيرة وأسلحة كافية، ما جعل داعش يتقدم وسط المقاومة التي أبداها أهالي شنكال بإمكاناتهم البسيطة.
يذكر شهود عيان تحدثوا إلى وكالتنا في مناسبات وأوقات سابقة، أن بيشمركة الديمقراطي الكردستاني والذي بلغ عدده الآلاف من العناصر ومعهم عتاد عسكري كبير، لم يقاوموا أمام داعش، وتلقوا أوامر بالانسحاب من شنكال وعدم مجابهة مرتزقة داعش، وفي اليوم الأول من المجزرة (الفرمان)، أظهرت مقاطع فيديو بثتها قناة روناهي، أرتالاً من قوات بيشمركة الديمقراطي الكردستاني تخرج من شنكال مع بعض النازحين من أهلها.
الرئيسة المشتركة لمجلس الإدارة الذاتية الديمقراطية في شنكال جيهان جلو في لقاء لوكالة انباء هاوار مع حلول الذكرى الـ 10 للمجزرة (الفرمان)، قالت إن داعش هو من كان يقوم بالهجوم، وارتكبوا الفظائع بحق المجتمع الإيزيدي في شنكال، لكن هناك من وجه داعش نحو شنكال ومهد الطريق لهم وعقد الاتفاقيات معهم.
جيهان جلو أكدت أن الحزب الديمقراطي الكردستاني هو المسؤول المباشر عن المجزرة، وبسبب فرار بيشمركة الديمقراطي، ما يزال مصير الآلاف من النساء الإيزيديات المختطفات مجهولاً.
مقاومة كرزك
بالعودة إلى كرزك، فقد قاوم الإيزيديون هناك إلى أن بزغ الفجر، ولأن ذخيرتهم لم تكفِ ونفدت، وبعد أن سحبت البيشمركة والجيش العراقي كامل السلاح الثقيل من شنكال، اضطر أهالي القرية ممن لم يستشهد إلى الانسحاب نحو قمة جبل شنكال، وتؤكد المعطيات وقتها أن المقاومة في كرزك كانت سبيلاً لتمكن مئات الآلاف من أهالي شنكال من التوجه نحو جبل شنكال قبل وصول مرتزقة داعش إليهم.
ممر الحياة الجديدة لإيزيديين
بقي مئات الآلاف من الإيزيديين محاصرين دون ماء أو طعام وسط حرارة الصيف الحارقة، حتى تدخلت قوات الدفاع الشعبي (الكريلا) التي توجهت من جبال كردستان نحو شنكال، وقدّمت العديد من الشهداء في سبيل حماية الناجين الإيزيديين، ولتعمل وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ التي فتحت ممراً إنسانياً من شنكال نحو روج آفا، ليصبح ذلك الممر ممر (الحياة الجديدة) بالنسبة للإيزيديين.
ووفق الإحصائيات الرسمية فإن 3504 امرأة إيزيدية و869 رجلاً وعدداً كبيراً من الأطفال تعرضوا للاختطاف على يد مرتزقة داعش، وعثر في شنكال حتى الآن على أكثر من 80 مقبرة جماعية.
قرار التنظيم بعد الخيانة
وأكدت الرئيسة المشتركة لمجلس الإدارة الذاتية في شنكال أن الخيانة التي تعرض لها الإيزيديون في شنكال، دعتهم لأن يكونوا أصحاب قوة منظمة بعد المجزرة، لذا شكلوا قواهم العسكرية والأمنية ونظموا إدارتهم الذاتية.
في 4 آب عام 2014، (أي بعد يوم من هجوم داعش على شنكال)، شكل بنات وشباب شنكال وحدات مقاومة شنكالYBS للدفاع عن قضاء شنكال وتحريرها من مرتزقة داعش، ووقف مقاتلو قوات الدفاع الشعبي ووحدات المرأة الحرة- ستار، ووحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة إلى جانبهم وحاربوا من خانصور وسنوني وصولاً إلى شلو وسيبا شيخ خدر وتل بنات ورمبوسي ودهولا.
بعد المجزرة، أدرك الإيزيديون حقيقة الحزب الديمقراطي الكردستاني، لذا كان قرار تأسيس وحدات المقاومة نابعاً من الإحساس بمسؤولية أن الدفاع عن شنكال مهمة أهلها، ومع الدخول في شهر شباط عام 2015، أعلنت نساء شنكال أيضاً تأسيس وحدات المرأة-شنكال YJS.
تواريخ مفصلية في شنكال
وفي آذار عام 2015 أطلقت وحدات مقاومة شنكال ووحدات مقاومة المرأة شنكال بالتعاون مع قوات الدفاع الشعبي ووحدات حماية الشعب والمرأة، حملة تحرير القرى في شنكال وصولاً إلى مركز المدينة، وتكللت بالانتصار وتحرير مدينة شنكال بالكامل من مرتزقة داعش في 14 تشرين الثاني 2015، وتوجهت بعدها لتحرير القرى المحيطة بها.
وأعلنت وحدات حماية الشعب أنها نفذت مهمتها وواجبها التاريخي في شنكال على أكمل وجه، وأن وحدات مقاومة شنكال أصبحت مستعدة أن تقوم بمسؤولية حماية شنكال وأهلها في وجه الهجمات كافة.
وفي نسيان 2018 أعلنت القيادة العامة لقوات الدفاع الشعبي سحب قواتها من شنكال، وأكدت أن وحدات مقاومة شنكال المتشكلة من أبناء وبنات شنكال هي من تقوم بمهام الحماية والدفاع عن شنكال.
ولأن الإيزيديين الذين لم يعودوا يثقون بحكومة بغداد وحزب الديمقراطي الكردستاني، واستفادوا من التجارب العسكرية والسياسية والإدارية وكذلك من تجربة روج آفا وشمال وشرق سوريا، وبدؤوا بتنظيم أنفسهم، وأعلنوا في 2015 تأسيس المجلس التأسيسي الإيزيدي، الذي تحول عام 2017 إلى مجلس الإدارة الذاتية الديمقراطية لشنكال.
وفي حزيران عام 2016 شكل حزب الحرية والديمقراطية الإيزيدية، كاتحاد بين حركة الديمقراطية والحرية والتجمع الإيزيدي المرخص رسمياً من الحكومة العراقية، وفي 6 تموز عام 2016 شكلت أسايش إيزيدخان كقوى أمن داخلي تعمل على تعزيز الأمن والاستقرار داخل مدينة ونواحي قضاء شنكال.
إلى جانب ذلك، شكل مجلس النساء الإيزيديات الذي تحول في أيلول 2016 إلى حركة حرية المرأة الإيزيدية؛ كما افتتح الإيزيديون أكاديميات تدريبية ومدارس لتعليم أطفالهم لغتهم الأم.
الهجمات لم تتوقف ضد شنكال والمؤامرات مستمرة
مع فشل سياسة الإبادة التي رسمها الحزب الديمقراطي الكردستاني ودولة الاحتلال التركي، وبتواطؤ من الحكومة العراقية، لم يرق للمتآمرين مستوى التنظيم الذي وصلت إليه شنكال، فبدأت الطائرات التركية ومنذ عام 2017 بشن الهجمات الجوية المستمرة على شنكال واستهداف القادة والرياديين في المجتمع الإيزيدي، والذين كان لهم دور كبير في تنظيم وتدريب المجتمع الإيزيدي والدفاع عنه، إضافة لبث الفوضى في شنكال بعد موجة عودة النازحين من مخيمات جنوب كردستان صوب شنكال.
بالتزامن مع هذه الهجمات شنت قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوات الجيش العراقي ولأكثر من مرة هجمات على شنكال، وتصدت لهم وحدات مقاومة شنكال وأسايش إيزيدخان، بعدما حاولت أن تقضي على قوات الحماية الذاتية للإيزيديين ونسف مكتسباتهم.
وفي 9 تشرين الأول 2020، أبرم الحزب الديمقراطي الكردستاني والحكومة العراقية التي ترأسها مصطفى الكاظمي وبإملاءات تركية واضحة اتفاقية، وصفها الإيزيديون بـ “فرمان باسم القانون”، أكثر ما آذى الإيزيديين بعد الجزرة والتي كانت تحت مسمى تنظيم الأمور الإدارية والأمنية في شنكال.
الرئيسة المشتركة لمجلس الإدارة الذاتية الديمقراطية لشنكال جيهان جلو، أشارت إلى أن مستوى التنظيم الذي وصلت إليه شنكال من تأسيس قوات عسكرية وأمنية وتنظيم سياسي واجتماعي هو نقطة مفصلية في تاريخ المجتمع الإيزيدي.
وقالت جيهان جلو: “لكن الفرمانات مستمرة ضدنا، بأشكال عدة، وهذا ما يتطلب الالتفاف حول ما حقق في شنكال، وأن يلتف الجميع حول إدارتهم الذاتية ليفشلوا بذلك جميع السياسات المعادية”.