رأى الأستاذ في الاقتصاد الدكتور شفيق عربش أن الحكومة بمعظمها تهرب إلى الأمام من خلال اختراع أرقام ليس لها علاقة بالواقع، فموضوع الأرقام جزء بسيط من مشكلة كبيرة، تتمثل بالانفصال عن الواقع، وسواء توفرت الإحصاءات ستمنع الحكومة نشرها، وإن لم تتوفر “ستخترع” بيانات من عندها، غير أن الواقع كشف وعرّى كل الإجراءات، وسبب هذا التناقض الذي نشهده بالمؤسسات يعود للارتجال وعدم الكفاءة.
وعن تصريح وزارة الاقتصاد الأخير حول زيادة الصادرات لهذا العام بما يتناقض مع ما يقوله قطاع الأعمال، اعتبر عربش أن الواقع مختلف تماماً بما يتعلق بالصادرات التي انخفضت، فلا يوجد بيئة مناسبة لإنتاج منافس أصلاً، مضيفاً: طالما أن كلّ إجازات الاستيراد تمنحها الحكومة، وعملية التصدير أيضاً مرهونة بالإجراءات الحكومية، فمن المفترض أن تكون جميع البيانات جاهزة، لكن حتى بحال جهوزيتها فإن الحكومة تمنع نشرها منذ 2013 تقريباً، حيث استسلم المكتب المركزي للإحصاء مخالفاً الصك التشريعي لإحداثه والذي أعطاه مهمة إعداد إحصاءات البلاد بكل استقلالية، لكنه ارتهن للجنة الاقتصادية، وأصبح متعذراً عليه نشر أي رقم إحصائي دون موافقتها.
وبيّن عربش أن المكتب عجز عن جمع الأرقام، وعرض أرقاماً متسقة ومنسجمة ومتناغمة مع بعضها، فنجد تناقضاً غريباً أحياناً، وخاصة بالبيانات الاجتماعية والسكانية، وهناك عدة مسوح أجراها المكتب بالتعاون مع هيئة تخطيط الدولة وبرنامج الغذاء العالمي، لم تنشر نتائجها إلا متأخرة، ولم تتمّ الاستفادة منها، أما ما يتعلق بميزان المدفوعات، فهو من مهام المصرف المركزي، لذلك نجد أن جميع الجهات المساهمة بإعداد الأرقام الوطنية مقصّرة.
ورأى عربش أن هناك استخفافاً بالجميع عبر بعض القرارات، فعندما ننظر إلى قرار أمس بتحريك أسعار المشتقات النفطية نحو الارتفاع، والتوضيح بأن التكاليف ارتفعت فهذا كلام “مردود على أصحابه”، وهذه أرقام تدلّ على محدودية الفكر الإداري، لأن العالم كله يشهد انخفاضاً بأسعار النفط الخام، والسعودية خفضت سعر برميل الخام الخفيف لدول آسيا بحدود 3 دولارات، وخلال الـ4-5 أشهر الأخيرة انخفض السعر بأكثر من 20%، ومع ذلك التكاليف ترتفع بسورية فقط ويبقى الإصرار أن هذه الأسعار مدعومة!
وأوضح عربش أن هدف الحكومة ينحصر بأمرين أساسيين، هما الضغط للحفاظ على سعر الصرف، والضغط لاستخدام أقل قدر متاح من القطع في العمليات الاقتصادية. ومع ذلك هذه الأهداف لم تتحقق، وكل إجراءات المركزي الإدارية والقسرية لم تضبط سعر الصرف، الذي ارتفع 150%، فالحكومة والمركزي يتدخلان بما يملك المواطن من قطع وكيفية التصرف به، والسحب والتحويل وغيرها.