أضحى المشهد السياسي التركي أكثر غموضاً وتعقيداً، على خلفية قرار الهيئة العليا للانتخابات التركية، بموافقة سبعة أعضاء مقابل اعتراض أربعة، قبول الطلب الذي قدمه “حزب العدالة والتنمية” لإعادة انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول في 23 حزيران (يونيو) الجاري.
وبدوره، رأى أردوغان في هذا القرار انتصاراً لحزبه، ومن ثم راهن على أن يفضي إلى استعادة “حزب العدالة” المدينة الحيوية، وتجنب عواصف السقوط السياسي. فعلاوة على كونها المدينة الأكبر والعاصمة الاقتصادية والتاريخية لتركيا، شكلت خسارة اسطنبول مؤشرا على بداية “شيخوخة” “العدالة” ونخبته. وانطلاقا من مقولته أن من يخسر إسطنبول يخسر كل تركيا، يخشى أردوغان المسكون بالخوف من بروز بديل يمكن أن يطيح به ويقضي على أحلامه في الاستئثار بالسلطة، ومن أن يفضي فوز أكرم أوغلو ببلدية اسطنبول، إلى إعادة إنتاج تجربته (أردوغان) السابقة، بحيث تكون رئاسة بلدية إسطنبول منصة للمعارض الشاب يقفز منها إلى رئاسة “حزب الشعب” والدولة التركية ككل، مثلما فعل أردوغان من قبل، خاصة أن أوغلو درس الإدارة، واحترف كرة القدم، ويحكم إسطنبول شاباً، ثم ها هو يتجه لرئاسة حزبه توطئة لرئاسة البلاد.
وضع قرار إعادة انتخابات بلدية أسطنبول أردوغان وحزبه في مأزق صعب، فعلاوة على مفاقمة منسوب التوتر المتنامي في العلاقات بين أنقرة وكل من واشنطن وبروكسيل، من شأن فوز بن على يلدريم في انتخابات 23 الجاري برئاسة بلدية إسطنبول، أن يستحث المعارضة والمجتمع الدولي على التشكيك في نزاهة الانتخابات. أما إذا خسر يلدريم للمرة الثانية أمام مرشح “تحالف الأمة” المعارض الشاب الطموح أكرم إمام أوغلو، وهو الاحتمال الأرجح، فستكون ضربة سياسية قاصمة لأردوغان و”العدالة والتنمية”، إذ ستكون الهزيمة الثالثة لرئيس الوزراء ورئيس البرلمان السابق في الانتخابات البلدية، إذ كانت الأولى في انتخابات العام 2014 في بلدية أزمير، على يد عزيز كوكا أوغلو، الذي كان يترأسها منذ العام 2004.
وما انفك نزفُ حزب “العدالة والتنمية” للأصوات مستمراً مع تحول الصوت الكردي، إذ فقد الحزب أصوات مؤيديه من الأكراد، الذين طالما شكلوا عنصر الحسم في انتخابات سابقة شتى لمصلحته، إثر جنوح الأكراد في المدن والبلديات الكبرى، والذين يتخطى تعدادهم 15 مليوناً ويشكلون نسبة 18 في المئة من إجمالي الناخبين في عموم البلاد، إلى منح أصواتهم لمرشحي تحالف المعارضة، لاسيما “حزب الشعب الجمهوري” الذي تحالفوا معه بشكل غير معلن، نكاية في حزب “العدالة والتنمية”، الذي قوَّض وشائج التقارب مع الأكراد بتحالفه مع حزب “الحركة القومية” المناهض لهم، وإصراره على المضي قدماً في توجيه ضرباته العسكرية ضد عناصر “حزب العمال الكردستاني والميليشيا الموالية له في سورية والعراق.
جريدة الحياة