لم يتلاعب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأي كلمة، وصرح حتى قبل أن تبدأ إسرائيل عملياتها البرية في غزة قائلاً: “أكرر دعوتي للقيادة الإسرائيلية… بإنهاء عملياتها التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية على الفور”. وأوضح أن حماس “ليست منظمة إرهابية، بل هي جماعة تحرير ومجاهدين تكافح من أجل حماية أرضها”. أما بالنسبة لإسرائيل، فقال إن الدولة اليهودية كانت تتصرف “كمنظمة إرهابية وليس كدولة”.
وفي حديث أمام تجمع لمؤيدي الفلسطينيين, قال أردوغان: “سنخبر كل العالم أن اسرائيل مجرمة حرب”. “نحن نقوم بتحضيرات بهذا الشأن وسنعلن إسرائيل مجرمة حرب”.
وإذا كان هذا التغيير الأخلاقي يبدو مألوفاً، فهذا لأنه بات أمراً شائعاً لدى أردوغان. ويشكو الزعيم التركي بمرارة من تحالف الولايات المتحدة مع الكرد السوريين، لكنه ينسى أن الولايات المتحدة احتضنت الكرد بعد أن قدم أردوغان المساعدة أولاً إلى الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا ثم إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وكما هو الحال مع حماس، قال أردوغان ومعاونوه أن هؤلاء المتطرفين السوريين ليسوا إرهابيين. وفي الوقت الذي قاوم الكرد حصار كوباني، سمح أردوغان لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية بالمرور عبر تركيا ومهاجمة الكرد مجتازين الحدود التركية.
ويتبنى أردوغان بانتظام خطاباً دينياً متطرفاً. وقد وصف نفسه بـ”خادم الشريعة”. وبينما يحث أنصار تركيا في واشنطن والدبلوماسيون الأتراك على إقامة تحالف استراتيجي لأن تركيا موطن لثاني أكبر جيش في الناتو، يخاطب أردوغان جمهوره المحلي واصفاً الجيش التركي بأنه “جيش محمد” الذي يشن “حرباً مقدسة” ضد “أعداء الإسلام”. وبعد أن وجهت المحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام للرئيس السوداني عمر البشير، رفض أردوغان هذه الاتهامات قائلاً: “لا يمكن للمسلم أن يرتكب جريمة إبادة جماعية؛ فهو لا يفعلها”.
ووفقاً لمعايير أردوغان، فإن أي شيء تقوم به الجماعات الإسلامية المتطرفة مبرر، في حين أن أولئك الذين يحاربون الإسلام السياسي هم المشتبه بهم الحقيقيون. ويلعب هذا التحول دوراً في نهج أردوغان تجاه الدولة اليهودية. وخطيئة إسرائيل، في نظر أردوغان، هي أنها دولة يهودية. ولا يمكنه تصور أي سيناريو يظهر فيه اليهود على حق إذا كان ذلك يعني أن أي مسلم على خطأ.
النفاق يتجاوز إسرائيل
قبل إعلان قيام الجمهورية التركية رسمياً، قام الجيش التركي بذبح أكثر من مليون أرمني وأحرق مجتمعات يونانية يعود تاريخ وجودهم لقرون من الزمن. وتختلف مثل هذه الإبادة الجماعية والتطهير العرقي عن صراع تركيا لطرد الجيوش الأوروبية في أعقاب معاهدة سيفر عام 1920. لم تكن هذه مجرد معارك، بل كانت مذبحة مخطط لها مسبقاً لكامل المجتمعات الأرمنية عبر شرق الأناضول.
وعلى نحو مماثل، كان حرق الأتراك لمدينة سميرنا (إزمير اليوم) بمثابة تطهير عرقي مخطط له مسبقاً، حيث قتل الأتراك ما يقارب 125 ألف مدني يوناني وأرمني في المدينة خلال أربعة أيام، وهو رقم يزيد بنحو 20 مرة عما تقول تركيا إن إسرائيل قامت بقتله في غزة. كون غالبية من قتلتهم إسرائيل في غزة كانوا من مقاتلي حماس فهو لا يشكل فرقاً لأردوغان. هؤلاء الذين تم قتلهم على يد الأتراك داخل تركيا كانوا مسيحيين، وبالتالي ليسوا ذو أهمية، في رأي أردوغان.
ومن المؤكد أن تركيا هي ليست الدولة الوحيدة المتهمة بالنفاق، لكنها تتميز بوقاحتها واستمراريتها. إن كل اتهام يوجهه أردوغان لإسرائيل هو جريمة ارتكبتها تركيا ضد الكرد داخل تركيا وفي سوريا والعراق، وضد المسيحيين في ناغورنو كاراباخ.
وبالنظر إلى عفرين، المنطقة السورية التي تضم مجتمعاً كبيراً من السكان الكرد الأصليين، قامت تركيا بتطهيرها عرقياً، سواء بشكل مباشر أو بالوكالة. وتواصل طائرات إف-16 والطائرات المسيرة التركية قصف القرى الإيزيدية في العراق. وفي الشهر الماضي فقط، أعلن البيت الأبيض أن العمل العسكري التركي “يقوض الحملة الرامية إلى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية… ويستمر في تشكيل تهديد غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة”.
لا تفرق تركيا بين الطفل الصغير والإرهابي؛ بين الفلاح والمقاتل. ووفقاً لرواية تركيا الخاصة، فقد قامت بقتل الآلاف من الكرد في سوريا منذ عام 2016. ويكرر البعض في واشنطن بشكل أعمى وصف تركيا للكرد السوريين على أنهم إرهابيون ماركسيون مناهضون للولايات المتحدة، لكن أي شخص يراقب المنطقة عن كثب لا يوافق على ذلك. فشمال شرقي سوريا لا يختلف عن إسرائيل في الجوهر. وبالنسبة لأردوغان، الذي يعتبر الكرد مسلمين مفسدين، فهذه هي الخطيئة. قد ينتقد أردوغان بنيامين نتنياهو وبشكل لاذع، فكلاهما متعجرفان وكريهان، ولكن عندما يتعلق الأمر بالجرائم ضد الإنسانية، يرى أردوغان تأملاته الخاصة فقط.
كتبه مايكل روبين لموقع واشنطن إكزامينر الأمريكي