ما بين سنتي 1937 و1938، كانت منطقة درسيم (Dersim) الكردية في شمال كردستان (تركيا الحالية) مسرحاً لواحدة من أسوأ الإبادات في حق الكرد. فمن أجل فرض جملة من قوانينها ضد هذا الشعب، اتجهت حكومة الرئيس التركي، مصطفى كمال أتاتورك، لشن حملة عسكرية على المنطقة انتهت بمقتل وتهجير عشرات الآلاف من المدنيين العلاهيين الكرد الزازاكيين (Alevi Kurds Zazas)، لتُصنّف بذلك مذبحة درسيم وكل من مأساة ثورة الشيخ سعيد بيران ومجزرة وادي زيلان ضمن قائمة الجرائم التركية بحق الشعب الكردي.
ديرسم.. فقر وتهميش
اختلفت ديرسم عن بقية المناطق الكردية من حيث العوامل الدينية واللغوية. فعلى الرغم من وجود بعض القبائل السنية الناطقة باللغة الكردية، اعتمد أغلبية سكان هذه المنطقة اللهجة الزازاكية وكانوا من العلاهيين. وخلال عهد الدولة العثمانية، اعتمدت ديرسم على نظام إقطاعي استمر لحدود الفترة الأولى من تاريخ جمهورية تركيا الحديثة.
وبسبب حالة الفقر الشديد والتهميش التي عانت منها ديرسم، والعديد من مناطق كردية في شرق تركيا، امتنع الأهالي عن دفع الضرائب، واتجه أغلب أبنائها للامتناع عن التقدم للخدمة العسكرية، وهو الأمر الذي أثار غضب المسؤولين الأتراك المحليين. ومنذ منتصف عشرينيات القرن الماضي، أكد أتاتورك على ضرورة اللجوء للقوة لفرض إرادة حكومته على درسيم التي وصفها بأكبر معضلة داخلية بتركيا.
وفي خضم قوانين تتريك (Turkification) البلاد التي بلغت أوجها منتصف الثلاثينيات، اتجهت المسؤولون الأتراك لفرض التجانس الديموغرافي بالبلاد بالقوة فلجأوا لسياسة التهجير القسري للسكان وعمدوا لإجبار العديد من سكان الشرق لترك أراضيهم والهجرة نحو مناطق أخرى نائية بغرب البلاد.
كما لجأ أتباع أتاتورك لتقسيم ديرسم وإعادة تسميتها، فأطلقوا عليها لقب “تونجلي” وزادوا من صلاحيات الحاكم المحلّي بها، والذي أصبح قادراً على طرد من يشاء. ولفرض الأمن بالقوة، ضاعف أتاتورك عدد أفراد رجال الأمن والجيش بالجهة وأنشأ مزيدا من مراكز الأمن.
وبحسب مصادر كردية محلّية، تقدّم الأهالي بشكوى لسلطات أتاتورك، فحمّلوا موفدهم رسالة اشتكوا فيها من وضعهم وطالبوا بتغيير سياسة الدولة تجاهم. إلا أن المسؤولين الأتراك رفضوا هذه الرسالة واعتقلوا وأعدموا حاملها، وكرد على ذلك هاجم بعض أهالي ديرسم مركز أمن ليبدأ بذلك التصعيد.
تحالف قبلي كردي
لاحقا، تحدّثت السلطات التركية خلال شهر آذار/مارس 1937 عن تحالف قبلي كردي بديرسم وهجمات طالت جسورا مناطق عسكرية، واتخذت من ذلك ذريعة لتبدأ بحملة عسكرية شرسة ضد الأكراد بديرسم.
وقد حشد الأتراك نحو 30 ألف عسكري قرب ديرسم واستعدوا لاجتياح المنطقة. وفي غضون ذلك، أرسل الأهالي وفدا دبلوماسيا تكون أساسا من القائد المحلي سيد رضا وعدد من مساعديه للتفاوض مع الحكومة وإنهاء الأزمة. إلا أن سلطات أتاتورك رفضت كل الجهود الرامية لإعادة السلام للمنطقة، فعمدت لاعتقال سيد رضا ومساعديه وأعدمتهم شنقا منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1937 وقد كان من ضمن الضحايا ابن سيد رضا البالغ من العمر حينها 16 عاما.
ومطلع العام 1938، أطلق الأتراك العنان لعمليتهم العسكرية ضد ديرسم لقمع ما وصفوه بتمرّد وثورة المنطقة على السلطة المركزية، واستمرت هذه الحملة أشهرا لتنتهي أواخر العام بسيطرة الجيش التركي على المنطقة.
80 ألف ضحية
خلال هذه العملية العسكرية، استخدم الجيش التركي الطائرات، التي اشترى عددا منها من النازيين الألمان، لقصف المقاومين والمدنيين الكرد وتحدّث الكاتب الكردي نوري ديرسمي (Nuri Dersimi)، المنحدر من هذه المنطقة، عن استخدام الأتراك للكيمياوي ضد المدنيين وراح ضحيتها حوالي 75 – 80 الف مدني كردي جلهم من الاطفال والنساء وكبار السن.
وزعمت تركيا بحسب التقارير الرسمية لتلك الفترة، “أسفرت العملية العسكرية عن مقتل 13 ألف كردي وتهجير حوالي 10 آلاف آخرين”. وقد تحدّث أكراد ديرسم حينها عن مقتل أعداد كبيرة من النساء والأطفال وانتهاكات فظيعة أخرى، حيث عمد جنود أتاتورك لتجميع المدنيين داخل الخيام قبل إضرام النار بها.
في غضون ذلك، أكدت تقارير بريطانية سقوط عدد أكبر من الضحايا مؤكدة على مقتل ما لا يقل عن 40 ألفا من أكراد ديرسم خلال الأشهر التي استغلها الجيش التركي لشن حملته العسكرية على المنطقة.
وأواخر العام 2011، اعتذر رئيس الوزراء التركي حينها رجب طيب أردوغان عن ارتكاب بلاده لمذبحة بحق الأكراد وقتلها لما يقارب 13 ألف كردي بديرسم، إلا أن الأخير واصل ما بدأته بلاده من حرب ضد الأكراد فواصل حملاته ضدّهم، وآخرها عمليته العسكرية التي أطلقها ضد الأكراد بشمال سوريا، والتي أعادت للأذهان السيناريوهات السابقة وجعلت كثيرين يتخوفون من حصول إبادات مشابهة كتلك التي جرت بدرسيم.
herdem-news