مركز الاخبار
تعدّ العلاقات التركية – الأمريكية في ظل حكم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من أصعب الملفات التي سيتناولها الأخير، فيما ستكون اختبارًا صعبًا لأنقرة التي كانت علاقتها مع واشنطن متذبذبة.
لا بد أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن القادمة ستغيّر بشكل كبير الطبيعة الحالية للعلاقات التركية – الأمريكية، والتي تم تقليصها إلى حدّ كبير، وتحولت إلى نوع من علاقة غريبة بين الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكلاهما كان لهما نهج شخصي للغاية تجاه السياسة الخارجية، وذلك بحسب موقع المونيتور الأمريكي.
وفي ظل حكم بايدن، من المقرر أن تعود السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى الطابع المؤسساتي، على عكس أسلوب ترامب غير المسبوق، والذي كان غالبًا انعزاليًّا ورافضًا للهيئات الدولية.
وإذا حكمنا من خلال المقابلات والبيانات والكتابات التي أجراها بايدن خلال العام الماضي، يمكن للمرء أن يستنتج أن السياسة الخارجية الأمريكية تحت قيادته ستستند إلى أربعة مبادئ رئيسة، تعزيز الديمقراطية على الصعيد العالمي، وتعزيز التعاون الأمني مع الحلفاء، وتعزيز حماية العولمة للطبقات الوسطى وإعطاء الأولوية للتجارة الحرة العالمية جنبًا إلى جنب مع حماية البيئة.
ويبدو أن تركيا كانت موضوع مناقشات ساخنة داخل فريق السياسة الخارجية لبايدن، مع وجود نهجين متباينين.
الأول يؤيد التوفيق والمصالحة، ويرى مؤيدي هذا النهج، تركيا كحليف مهم ودولة رئيسة على الجانب الجنوبي لحلف الناتو لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل خسارتها أو السماح لها بالابتعاد عن الكتلة الدفاعية الغربية.
ويعتقد هؤلاء أن الموقف الأمريكي القاسي والعقوبات الاقتصادية المدمرة ضد تركيا يمكن أن تؤجج الميل الاستبدادي لحكومة أردوغان ويعزز قبضتها على السلطة، وبالتالي، يجب على واشنطن أن ترسخ تركيا في الكتلة الدفاعية الغربية بأي ثمن، باستخدام الحوافز الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية، مع دفع البلاد إلى إصلاح ديمقراطي ناعم من خلال مشاركات ذكية تقوي المعارضة.
وكما أن تركيا تدرك هذا النهج، وفي مقال بصحيفة تركية موالية للحكومة يربط برهان الدين دوران، وهو رئيس مركز أبحاث بارز مؤيد للحكومة، تعهدات أردوغان الأخيرة بالإصلاحات الاقتصادية والقضائية والديمقراطية في الداخل بقدوم “حقبة جديدة في السياسة الدولية “في أعقاب فوز بايدن.
ووفقًا لأنصار التوفيق مع الأتراك، يمكن لأنقرة مساعدة إدارة بايدن في جهود إصلاح العلاقات عبر الأطلسي واحتواء روسيا في ليبيا وسوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود ومناطق القوقاز.
ويبدو أن المدافعين عن سياسة التوفيق، لهم اليد العليا في فريق السياسة الخارجية لبايدن، ويبدو من العدل أن نتوقع أن تتبع إدارة بايدن نهجًا تصالحيًّا خلال الأشهر العديدة الأولى في منصبه لاختبار ردّ أنقرة، وقد يؤدي الفشل في استيعاب أنقرة إلى التحول إلى النهج البديل للمواجهة والإكراه.
‘استراتيجية “العصا”
ويؤمن فريق آخر، الذين يُقدّر أنهم يمثلون ثلث فريق السياسة الخارجية لبايدن، بـ “استراتيجية العصا” ضد تركيا التي من شأنها أن تطلق حزمة فورية وشاملة من العقوبات وتعتمد على الدبلوماسية القسرية، بما في ذلك الوسائل الاقتصادية والأمنية والسياسية.
فالأرضية موجودة بالفعل أمام بايدن لاتباع مثل هذا النهج، حيث أدى شراء تركيا لأنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400 إلى وضعها في نطاق قانون مكافحة أعداء أمريكا، وحتى لو فرضت عقوبتان بموجب القانون يمكن أن تسبب مشاكل خطيرة لأنقرة.
وهناك أيضًا تحقيق أمريكي ضد بنك خلق، المقرض العام التركي المتهم بمساعدة إيران على التهرب من العقوبات الأمريكية، والتي يقول الكثيرون في واشنطن إنها يمكن توسيعها لتوريط أفراد من أسرة أردوغان.
وبشكل عام، فإن مناطق الأزمات في العلاقات التركية – الأمريكية كثيرة جدًّا وخطيرة لدرجة أن بايدن وأردوغان سيكافحان حقًّا لإيجاد حل وسط، ويمكن للمرء أن يسرد ما لا يقل عن تسع نقاط ساخنة تهدد بإفساد العلاقات الثنائية.
ويمكن القول إن المسألة الكردية واحتمال شن عملية عسكرية تركية جديدة في شمال شرق سورية تبرز على أنها قضية الأزمة الرئيسة، حيث يفضل بايدن الحوار مع الكرد وثانيًا، من المرجح أن يزيل بايدن المكابح التي استخدمها ترامب في قضية بنك خلق، والتي هي مرتبطة أيضاً بكيفية تعامل بايدن مع الملف الإيراني.
والمسألة الثالثة هي التنشيط المرتقب لتركيا لأنظمة إس -400 وطردها المستمر من برنامج التصنيع المشترك لطائرات الشبح، وكما أن بطاريات S-400 الأربعة موجودة حاليًّا في أنقرة، وهي جاهزة للنشر، وهددت واشنطن بفرض عقوبات في حالة التفعيل الكامل للأنظمة، ومن غير المرجح أن تتخذ أنقرة هذه الخطوة قبل أن يتولى بايدن منصبه في كانون الثاني/يناير.
وستشكل المنافسات المتزايدة في مجال الطاقة في شرق البحر المتوسط وبحر إيجة تحديًا آخر للعلاقات الثنائية، حيث تحركت الولايات المتحدة لزيادة التعاون العسكري مع اليونان والقبارصة اليونانيين وسط تقارب أنقرة مع موسكو.
وتخشى أنقرة من أن يأخذ بايدن هذه الجهود إلى أبعد من ذلك، وقد سبق له أن اتهم أنقرة بارتكاب “أعمال استفزازية” في المنطقة.
ومن المرجّح أن يتحول تعاون تركيا في مجال الطاقة مع روسيا، بما في ذلك محطة أكويو للطاقة النووية التي يبنيها الروس في جنوب تركيا، إلى ملف أزمة آخر مع الولايات المتحدة في الفترة المقبلة.
وسادسًا، قد تؤدي القضايا الداخلية التركية إلى تأجيج التوترات مع واشنطن وسط تدهور حالة الديمقراطية والحقوق الأساسية والحريات.
وسابعًا، ستعود إدارة بايدن إلى الحوار المؤسساتي مع أنقرة، بشكل أساسي عبر وزارة الخارجية، لكن أنقرة قد ترفض مثل هذا التعديل لأن جميع عمليات صنع القرار تتركز الآن في القصر الرئاسي.
وكما يمكن أن يتسبب الصراع المتجدد بين أذربيجان وأرمينيا حول قره باغ في احتكاكات بين واشنطن وأنقرة، التي تدعم بقوة أذربيجان، وعلاوة على ذلك، أيد بايدن التحركات الرامية إلى الاعتراف بمذابح الأرمن في ظل الإمبراطورية العثمانية على أنها إبادة جماعية.
وأخيرًا، من غير المرجح أن يتسامح بايدن مع استخدام الحكومة التركية الشعبوي للخطاب المعادي لأمريكا مثلما فعلت إدارة ترامب.
وباختصار، سوف ترث إدارة بايدن مجموعة كبيرة من الخلافات الرئيسة مع تركيا، ويبدو أن أردوغان لم يعد لديه فريق قادر على وضع العلاقات الثنائية على مسار صحي.
وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تزيد موسكو الضغط على أنقرة في سوريا وليبيا والبحر الأسود وقره باغ وقضايا الطاقة ردًّا على الجهود التركية للاقتراب من واشنطن.
وبشكل عام، يبدو أن أنقرة تستعد لإجراء توازن صعب بين موسكو وواشنطن العام المقبل.