تشهد مناطق سيطرة قوات النظام والميليشيات الإيرانية في دير الزور وريفها زيادة ملحوظة في ظاهرة زواج فتيات سوريات من عناصر الميليشيات التابعة لإيران، الذين يأتون من جنسيات مختلفة مثل العراق وإيران وأفغانستان.
يستغل هؤلاء العناصر الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعاني منها الأسر، حيث يقدمون مهوراً مرتفعة بشكل غير معقول لإغراء الأهالي بالموافقة على هذه الزيجات.
هذا الوضع يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المحلية خاصة في مناطق سيطرة النظام السوري والمناطق المحتلة من قبل تركيا، حيث تضع الأسر في موقف حرج يدفعها لقبول زواج بناتها من عناصر يعتبرونهم غرباء.
الكثير من العائلات تجد نفسها مضطرة لتقبل هذه الزيجات، خاصةً في ظل الضغوط الاقتصادية والحاجة إلى تحسين الوضع المالي هؤلاء العناصر ينتمون إلى “الطائفة الشيعية”، مما يؤدي إلى خلق فجوة عميقة في التفاهم الثقافي والاجتماعي.
وتظهر التجارب الشخصية العديد من الأبعاد المأساوية لهذه الظاهرة. تروي الشابة “ندى.ك” (21 عاماً) قصتها المؤلمة، حيث تزوجت من عنصر عراقي بعد فترة قصيرة من التعارف، تحت ضغط من عائلتها.
وبعد مرور 4 أشهر من الزواج، اختفى زوجها فجأة، تاركاً إياها وحيدة مع طفلتها التي لم تُسجل في السجلات الرسمية وتصف ندى شعورها بالقلق والفزع على مستقبل ابنتها، التي قد تواجه صعوبات في الحصول على حقوقها المدنية والتعليمية، ما يجعلها ضحية لمجتمع يتجاهلها.
من جهتها، تتحدث “وفاء.ح” (17 عاماً) عن تجربتها بعد زواجها من عنصر عراقي، حيث تزوجا ثم ذهبوا في شهر عسل إلى دمشق، لكن زوجها لم يعد للمنزل بعد أن أخبرها أنه سيعود إليها بعد إنهاء عمله.
بعد مرور أكثر من 7 أشهر، لا تزال وفاء تنتظر أي خبر عنه، مما يجعلها تعيش في حالة من القلق المستمر، ولا تعرف كيف ستتعامل مع مستقبلها.
(غ.ح)، رب أسرة، يروي تجربته قائلاً: “نقيم بجانب مقر للواء فاطميون، وفي أحد الأيام جاءوا لخطبة ابنتي التي تبلغ من العمر 15 عاماً لأحد العناصر، أخبرتهم أنني بحاجة لبعض الوقت للتشاور مع والدة الفتاة والفتاة نفسها وبعد مغادرتهم، خطر لي فكرة الانتقال إلى دمشق وترك مكان إقامتنا في البو كمال، خشية من ردود فعلهم إذا أخبرتهم برفضي. لذلك، أبلغتهم أنني سأذهب لعلاج ابني الصغير في دمشق، وانتقلنا بعدها مباشرة من البو كمال.”
مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أفادت أن حوالي 55 فتاة متزوجة من عناصر هذه الميليشيات في مدينة البو كمال فقط، وهناك عشرات الفتيات في مدن أخرى مثل دير الزور والميادين وهي أرقام تعكس انتشار الظاهرة وتعمقها، مما يزيد من المخاوف بشأن مصير الفتيات وأطفالهن الذين قد يُولدون في ظروف غير مستقرة.
وتتزايد المخاوف بشأن مستقبل الأطفال الناتجين عن هذه الزيجات، حيث يُعتقد أن كثيراً منهم سيكونون مكتومي القيد، مما يعرضهم لخطر عدم الحصول على الهوية والحقوق الأساسية. لا توجد أي قوانين تحمي هؤلاء الأطفال أو تمنحهم حقوقهم، مما يتركهم في حالة من العزلة والتمييز في مجتمع يتعرض أصلاً لصدمات كبيرة.
هذا الوضع يثير قلقاً بين السكان، حيث تتراوح مشاعرهم بين الخوف من ردود فعل عناصر الميليشيات في حال تم رفض طلبات الزواج، وبين الرغبة في حماية بناتهم من مآلات مستقبلية غامضة ويتفاقم التوتر النفسي والاجتماعي في المجتمعات، حيث تعكس هذه الظاهرة الانهيار العام للقيم والأخلاق في ظل الأزمات المتتالية.
في النهاية، سيبقى مصير جيل كامل من الأطفال مجهولاً، حيث سيواجهون تحديات عديدة قد تؤثر على حياتهم بشكل دائم.