لا تزال الندوب التي خلفها تنظيم داعش الإرهابي في صفوف الإيزيديين منذ ست سنوات تنزف، حيث أنه لا يزال أكثر من نصف عدد أبناء هذه الطائفة الدينية في المخيمات فيما لا يعرف بعد مصير الآلاف منهم.
وكأن بذلك ما جرى غير كاف ليطل على الإيزيديين اليوم خطر إرهابي جديد وهذه المرة من شمال سوريا، وسط تساؤلات عن مستقبل هذه الطائفة ومصيرها في ظل مناخ شرق أوسطي مشحون، وأجواء دولية محتقنة لا مكان فيها للاهتمام بقضايا الأقليات الدينية والعرقية لاسيما الصغيرة منها في المنطقة.
وصدم العالم في العام 2014 لتعرض الإيزيديين لمذبحة بشعة في كل من سوريا والعراق خصوصا في منطقة شنكال/سنجار غربي الموصل على يد عناصر تنظيم داعش الإرهابي الذين قتلوا حوالي 10 آلاف رجل إيزيدي، وخطفوا واستعبدوا 6 آلاف امرأة.
تقول الناشطة السياسية والنائب السابق عن المكون الإيزيدي في البرلمان العراقي فيان دخيل “للأسف نشهد اليوم تراجعا في الاهتمام الدولي وفي دعم منظمات المجتمع المدني للقضية الإيزيدية رغم أنه ما يزال هناك أكثر من 80 في المئة من الإيزيديين يقبعون في المخيمات منذ أكثر من 5 سنوات، وما يقارب 3000 آلاف امرأة ورجل لا يعرف إلى حد الآن مصيرهم، فيما يوجد الكثير من أطفال الإيزيديين الذين اختطفهم التنظيم الجهادي وهم في عمر السنتين والثلاث سنوات لا يدركون هويتهم”.
يطرق اليوم أبواب أبناء هذه الديانة في شمال سوريا خطر لا يقل عدوانية عن تنظيم داعش الإرهابي خصوصا في رأس العين من محافظة الحسكة وعفرين من محافظة حلب.
ومنذ احتلال تركيا بدعم من مجموعات الإسلامية السورية لعفرين في مارس 2018 يواجه الإيزيديون حملة تنكيل ممنهجة من خلال إجبارهم على تغيير ديانتهم والانتقال إلى الدين الإسلامي، وخطف الممتنعين من أبنائهم وسبي بناتهم وافتكاك أراضيهم ومحاصيلهم، وتكرر ذات السيناريو مع سيطرة أنقرة ومواليها من التركمان والعرب السنة في سوريا على مدينة رأس العين في الحسكة في أكتوبر 2019.
ومع الانشغال الدولي بأزمة تفشي وباء كورونا وبالمشاحنات بين القوى الكبرى تصاعدت الحملة على الإيزيديين لاسيما في عفرين من قبل تلك الفصائل أو كما يحلو للبعض تسميتهم بـ“الإنكشاريين الجدد”، وسط مخاوف من تعرض تلك الأقلية لحملة تصفية جديدة، في سياق نوازع تركيا لتغيير الطبيعة الديموغرافية لمنطقة شمال سوريا، من خلال إحلال المكون العربي السني والتركماني مكان السكان الأصليين (أكراد، وإيزيديين، وآشوريين، وسريان..).
وتقول الناشطة السياسية الكردية فيان دخيل إن ما يحصل في عفرين هو نسخة أخرى لما حصل في العام 2014، ومن نفس التطرف ولكن بأسماء مختلفة، منتقدة صمت المجتمع الدولي التي قالت إن عليه التحرك بسرعة حتى لا تتكرر مأساة سنجار ويتم إيقاف تلك الجماعات كي لا يتمدد خطرها أكثر.
استهداف نظام العدالة والتنمية التركي وأتباعه من الإسلاميين للإيزيديين ليس وليد غايات سياسية فقط بل دينية أيضا فقد سبق وأن وصف الرئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان الإيزيديين بأنهم طائفة غير مؤمنة.
وتلفت النائب السابق في البرلمان العراقي إلى أن مواقف الرئيس أردوغان المعادية للإيزيديين ليست بالغريبة بالنظر إلى خلفيته العقائدية والأيديولوجية، المسكونة بهوس إحياء الخلافة العثمانية، معيدة التذكير بأن معظم الإبادات الجماعية التي تعرضت لها الأقلية الإيزيدية جرت خلال ذلك العهد الذي يسعى اليوم لإعادة إحيائه.
وواجه الإيزيديون نحو 72 حملة إبادة جماعية جلها في فترة الخلافة العثمانية، وعلى سبيل الذكر لا الحصر حملة حسن باشا (1715)، وحملة أحمد باشا (1733)، وحملة سليمان باشا (1752)، وحملات نادر شاه (1732 – 1743)، وحملة علي باشا (1802)، وحملة سليمان باشا الصغير (1809)، وحملة إينجه بيرقدار (1835)، وحملة حافظ باشا (1837)، وحملة محمد شريف باشا (1844-1845)، وحملة الفريق عمر وهبي باشا (1892)، وحملة بكر باشا (1894)، وحملة محمد باشا أمير سوران المعروف بـ“ميري كور” (1832 – 1834)، وحملة بدرخان بك (1844).
والإيزيديون هم مجموعة عرقية دينية يقدر عددها بنحو نصف مليون شخص يتمركزون أساسا في العراق لاسيما في محافظة نينوى وفي سوريا وتركيا وأرمينيا ولديهم جالية مهمة في أوروبا (خصوصا ألمانيا)، ولطالما واجه الإيزيديون محنا وحملات تصفية على مر تاريخهم الذي يعود إلى أكثر من 4 آلاف عام، ما دفعهم إلى التقوقع على ذواتهم في محاولة للحفاظ على كيانهم ومعتقداتهم التي تعود جذورها، بحسب الأبحاث، إلى الزرادشتية.
وكالات