بمضامين وشعارات سياسية طغت على البعد الاقتصادي، افتتح معرض دمشق الدولي بدورته الـ61، في مدينة المعارض على طريق مطار دمشق الدولي. وهذه هي الدورة الثالثة للمعرض على التوالي منذ العام 2017، بعد انقطاع دام لست سنوات، بسبب “الأزمة” في سوريا.
المضامين السياسية التي ركز عليها كل من رئيس مجلس الوزراء عماد خميس، ووزير الإعلام فايز سارة، في كلمات الافتتاح، ليست جديدة وفق منظور النظام وسردياته التبريرية المعتادة في إحالة أسباب الخراب السوري إلى العوامل الخارجية. غير أن التشديد علي الأبعاد السياسية على حساب البعد الاقتصادي للمعرض، يتوخى قطف نتائج سياسية لكسر حلقات العزلة الدولية المفروضة على النظام. الأمر الذي يتم الإيحاء به من خلال التركيز على مشاركة دولية واسعة في المعرض. ويترافق ذلك أيضاً، مع الإيحاء بوجود بيئة استثمارية آمنة سياسيا واقتصاديا في سوريا. القصف الإسرائيلي طال منذ أيام قليلة بلدة عقربا التي لا تبعد عن مدينة المعارض أكثر من كيلومترين. وفي العام 2018 استهدف قصف اسرائيلي منطقة قريبة من المطار، أثناء انعقاد المعرض، ما سبب موجة ذعر شديدة للزوار، أعقبتها حالة من الفوضى والازدحام على طرقات الإياب.
وفي الوقت ذاته، يحمل المعرض بنسخته الجديدة دفاعاً استباقياً لفشل مضامينه الاقتصادية، كما حدث مع الدورتين السابقتين، خصوصاً في ظل الإعلان الأميركي الصادر قبل أيام بتحذير الشركات الدولية من إبرام صفقات مع النظام تحت طائلة العقوبات والمحاسبة.
النظام كان قد زج معرض دمشق الدولي في أتون السياسة منذ العام 2017 كمؤشر على تعافيه الأمني واستعادته لمفاصل الحياة الاقتصادية و”عودة الحياة الطبيعية” إلى سوريا. وبلغت ذروة آمال النظام الاقتصادية والسياسية في معرض العام 2018، إذ شاركت فيه 48 دولة بحسب بيانات سورية رسمية. ولكن الآمال تلاشت بعد شهرين من انعقاد المعرض، إثر دخول سوريا موجة من الأزمات المعيشية، وغياب أي أثر للاتفاقات والعقود المبرمة التي قيل يومها أنها تجاوزت 30 مليار دولار، وأنها ستضع سوريا على سكة إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي.
النظام استعاض هذا العام عن انخفاض عدد الدول المشاركة في المعرض، 38 دولة، بحملة إعلامية ركّزت على وصول المساحات المشغولة في المعرض إلى 100 ألف متر مربع، وهي المساحة الأكبر في تاريخ المعرض، بحسب الإعلام الرسمي. وهذا الرقم يشمل المساحات الخارجية والداخلية على حد سواء، علما أن المساحات الطابقية الداخلية القابلة للعرض لا تزيد عن 63 ألف متر مربع، وقد شغلت الشركات المحلية ووزارات النظام معظمها. فيما غلب على المساحات الخارجية الطابع الترفيهي والاستهلاكي والخدمي، موزعاً بين ألعاب أطفال ومقاهي الهواء الطلق، وأكشاك للبيع.
وبموازاة التشديد السياسي على أهداف المعرض، فإن معظم المشاركات كانت ذات طابع سياسي وبروتوكولي، وهي بمعظمها من منظومة الدول الدائرة في فلك الممانعة أو الدول الهامشية التي بالكاد يمكن للمرء أن يتذكر أسماءها أو يعرف موقعها على الخريطة.
ويمكن القول إنه لولا مشاركة إيران بـ60 شركة، وروسيا التي حجزت 500 متر مربع لعدد من شركاتها المتخصصة في الصناعة والمواد الغذائية وإعادة البناء والإعمار، لبدا المعرض كأحد المعارض المحلية. مشاركة بلدان مثل الهند وبلغاريا، لم تتجاوز حجز جناح صغير يضم كتيبات الترويج السياحي والثقافي، وشاركت الأرجنتين ببعض علب المتة، فيما بدت مشاركة الصين تحت مسمى “المدينة الصينية” نوعاً من المشاركة السياسية شأنها شأن مولدافيا.
المشاركات العربية أيضا كانت واضحة في بعدها السياسي، لكنها انحصرت بالعراق ولبنان، وسلطنة عمان والإمارات العربية، بالإضافة إلى الجزائر. الاحتفاء بالوفدين الإماراتي والعماني، وتسليط الضوء عليهما، أخفى أن مشاركة لبنان كانت لافتة. الجناح اللبناني شبه فارغ من الزوار، تمّ التعويض عنه بحضور وزراء لبنانيين شخصياً في افتتاح المعرض، ومنهم الوزير علي حسن خليل.
من جهتها، إيران التي تدرك أن مشاركتها في المعرض ضمن الظروف الحالية لا يمكن أن تحمل لها الكثير، فقد استبقت الافتتاح باجتماع صباحي في فندق “ايبلا الشام” القريب من المطار، ضم أعضاء “الغرفة التجارية السورية الإيرانية” التي تم الإعلان عنها مؤخراً. وتوصل الاجتماع إلى مجموعة من التوصيات التجارية وأبرزها؛ تطوير اتفاقات “التجارة الحرة” بين البلدين الموقعة عام 2011، وإنشاء مصرف مشترك بعملة البلدين، وإنشاء شركة قابضة وشركات شحن بري وشركة تأمين مشتركة.
وإذا جاز لنا القول من باب الموضوعية، انه من المبكر الحكم على نتائج معرض دمشق الدولي في دورته الحالية، إلا أن المقدمات لا توحي بنتائج مختلفة عن دورتي العامين السابقين. لا، ربما على العكس تماماً، فهي تشير الى فشل أكبر مما سبق. فانعقاد المعرض يتزامن مع هبوط حاد في سعر صرف الليرة السورية، بالإضافة إلى أن النظام لم يستطع أن يتجاوز تأثير الأزمات التي عصفت به منذ العام الماضي، مع الأخذ بالاعتبار الوضعين العسكري الملتهب في الشمال السوري، والتشديد السياسي على عزلة النظام السوري أميركياً.
في هذا المناخ العام وتحت شعار “من دمشق إلى العالم” تم افتتاح الدورة الـ61، مقرونة بصورة الوردة الدمشقية كرمز بصري تعبيري تنطلق بتلاتها على شكل طيور تنتشر في كل الاتجاهات. في الواقع، سيبقى المعرض حبيس أوهام النظام وحلفائه، ومنهم الروسي الذي رأى فيه إعلامه أنه “أضخم” تظاهرة اقتصادية في الشرق الأوسط.
المعرض بصيغته الأحدث، مع غياب التنظيم والتخطيط، أشبه بمزيج متنافر من المولات الحديثة والبازارات الشرقية، مع الافتقاد لأصالة الاثنين معاً.
وبعيداً عن المضامين السياسية والاقتصادية، شهد المعرض في يومه الأول للعموم، حركة حضور شعبية لافتة، بفضل تأمين النقل المجاني من كل أحياء العاصمة على مدار الساعة. وانتهز سكان دمشق فرصة الخروج من بيوتهم هرباً من الحر الشديد، وبحثاً عن شيء من الترفيه الذي أعده النظام في المعرض وحشد له مجموعة من الفنانين الموالين من سوريا وخارجها.
غير أن النقل المجاني إلى المعرض لم يخفف الآثار السلبية لسوء التنظيم، الذي بدا واضحا كما في السنوات السابقة، لتغيب المخططات الإرشادية إلى الأجنحة، كما غابت الإنارة عن مواقف السيارات، أو تحديدها بمربعات مرقمة أو سواها. عثور المواطنين على سياراتهم المركونة في الكراج، كانت عملية شاقة، بالإضافة إلى الازدحام الشديد أثناء العودة لراكبي الحافلات المجانية المخصصة للمعرض. فالحافلات تنشط في نقل الركاب إلى المعرض، وتكاد تنسى إعادتهم، طالما سجلوا حضورهم وتم تصويرهم. فالمهمة قد أنجزت على طريقة النظام.
المصدر: وكالات