لا تزال المناطق السورية تعاني من نتائج الاتفاقيات التي أبرمها ما أطلق عليهم السوريون “ثلاثي الصفقات” وهم (روسيا وتركيا وإيران) خلال اجتماعات أستانا وما أعقبها من مباحثات أمنية شاركت فيها حكومة النظام السوري، حيث يشتد الحصار المفروض في هذه الفترة على أهالي مقاطعة الشهباء ومهجري مدينة عفرين المحتلة الذين يحرمون من أهم المواد الأساسية ومقومات الحياة.
خلال الأسابيع الماضية جددت قوات النظام السوري تشديدها للحصار على منطقة الشهباء والذي يفرض منذ أكثر من 6 أعوام، حيث لا تسمح بدخول المواد الأساسية والأدوية والوقود إلى المنطقة وهذا ما أنعكس بشكل سلبي على جميع مناحي الحياة.
وبسبب نقص الوقود في الشهباء على خلفية تشديد الحصار، قررت هيئة التربية والتعليم في مقاطعتي عفرين والشهباء تعليق التعليم في المدارس، مما أدى إلى حرمان 14500 طالب وطالبة من التعليم.
وكذلك أصدرت بلدية الشعب في حي الشيخ مقصود بياناً إلى الرأي العام بتاريخ 2 كانون الأول الجاري، أكدت من خلاله أن “حكومة دمشق تمارس سياسة تجويع الشعب وفرض الحصار الجائر على مناطق الشهباء وحيي الشيخ مقصود والأشرفية؛ لكسر إرادة الشعب وفتح الطريق أمام تهجيرهم”.
استخدام “ورقة الحصار” ضد الشعب
على الرغم من التهديدات والهجمات من قبل الاحتلال التركي وخاصة بعد الاتفاقيات التي أبرمها مع روسيا وإيران تزايد الضغط على أهالي شمال وشرق سوريا عموماً ومنطقة الشهباء خصوصاً، وبعد احتلال عفرين زادت الضغوط على الأهالي في الشهباء بهدف دفعهم للتخلي عن مشروع الإدارة الذاتية والاستسلام حيث كانت حكومة دمشق عبر ما تسمى “الفرقة الرابعة” هي من تقوم بهذه المهمة.
جاء هذا الحصار على مراحل وبعد كل اجتماع لآستانا وسوتشي، حيث بدأت أولى مراحله بعد الاحتلال التركي لعفرين في 18 آذار 2018 وانتهاج سياسية التغيير الديمغرافي والتهجير القسري للسكان الأصليين من عفرين.
وتزايد الحصار بعد الجولة الـ9 لاجتماع “آستانا” الذي عقد في العاصمة الكازاخستانية آستانا بين ثلاثي الصفقات (روسيا، إيران، تركيا) في يومي 14 و15 أيار/مايو 2018؛ إذ نجم عن هذا الاجتماع اتفاق على ضرورة إعادة التقارب بين أنقرة ودمشق.
وبعد أشهر وتحديداً في الـ 3 من تشرين الثاني/نوفمبر 2018 فرضت حكومة دمشق الحصار على 6 قرى تابعة لناحية شيراوا التابعة لمقاطعة عفرين المحتلة، وخاصة على السوق الأسبوعي لقرية برج القاص، الذي كان يؤمن جميع المستلزمات المنزلية والمتطلبات الحياتية لهذه القرى، وتوسعت فيما بعد دائرة الحصار لتشمل النواحي الأربعة لمقاطعة الشهباء (تل رفعت، أحرص، أحداث، فافين) و40 قرية وبلدة تابعة للنواحي، بالإضافة إلى المخيمات الخمسة لمهجري عفرين المحتلة (عفرين، الشهباء، العودة، سردم، برخدان).
وأشتد الحصار مرة أخرى بعد أول لقاء علني جرى بين رئيس الاستخبارات دولة الاحتلال التركي، هاكان فيدان، ورئيس مكتب الأمن الوطني في حكومة دمشق، علي مملوك، منذ بداية الأزمة السورية، وذلك أوائل عام 2020، إذ انتشرت معلومات حول إبرام اتفاقيات بينهم في استهداف الإدارة الذاتية وتشديد الحصار الخانق على مقاطعة الشهباء وحيّي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب.
وفي 2 حزيران عام 2020، بدأت حكومة دمشق بمنع دخول المحروقات للمنطقة بشكل كامل، حتى باتت تشهد المقاطعة أزمة في توفير مادة المازوت حيث ارتفع سعر مادة المازوت إلى 600 ليرة سورية في حال توفرها، بعد أن كانت تباع سابقًا بـ 250 ليرة للتر الواحد، الأمر الذي أدى إلى رفع أصحاب السرافيس أجور المواصلات بنسبة وصلت إلى 100 ليرة فوق التسعيرة القديم، وتوقف بعضها عن العمل.
وتكررت الاتفاقات مرة أخرى ضد الإدارة الذاتية، إذ عقدت الجولة 17 من آستانا في الـ 21 كانون الأول 2021، بعد عقد الجولة الخامسة عشر في 16 شباط والجولة السادسة عشر في 7 تموز من العام نفسه، وتضمنت بنود معادية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وتلا ذلك، ضغط حكومة دمشق على المنظمات الإغاثية الدولية لمنعها من تقديم المساعدات للأهالي وفي هذا السياق قطعت منظمة اليونيسف العالمية مياه الشرب عن 37 قرية يتواجد فيها مهجرو عفرين، مبررة فعلتها بنقص الدعم عنها.
ومنعت سيارات الإسعاف من نقل المرضى إلى مشافي حلب إلا عبر منظمة الهلال الأحمر السوري التي تقصدت إهمال المرضى وعدم نقلهم لتلقي العلاج مرة أخرى، مما أدى إلى فقد ثلاثة أطفال من مقاطعة الشهباء ومواطن من مهجري عفرين لحياتهم.
تداعيات قاسية على الأهالي.. حركة مشلولة
هذا الحصار يزيد من معاناة الأهالي يوماً بعد يوم، ومن أبرز الأزمات التي تواجههم خلال هذه الفترة هي صعوبة تأمين المحروقات والوقود خاصة مع قدوم الشتاء بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء عن المنطقة التي كانت تمنح للأهالي 4 ساعات فقط ثم تخفيضها لمدة ساعتين لتنقطع فيما بعد بشكل شبه كامل، وخلال الأسابيع الماضية وصل سعر لتر المازوت إلى 8500 ليرة، أما البنزين فوصل إلى 13500، والأسعار مرشحة للارتفاع مع تدهور قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية.
كما تمنع حواجز حكومة دمشق دخول الأدوية إلى مقاطعة الشهباء وحيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، الأمر الذي أدى لارتفاع أسعار الأدوية لعدة أضعاف، وتتحجج دمشق أن الشهباء منطقة تقع خارج سيطرتها.
وحسب آخر إحصائية للجنة المحروقات، فإن مقاطعة الشهباء تحتاج إلى نحو 30 ألف أسطوانة غاز كل شهر، إلا أن حكومة دمشق منعت دخول الغاز المنزلي، ليقفز سعر الأسطوانة من 35 ألف إلى 150، مع مخاوف من انقطاعها بشكل كلي.
وبالإضافة إلى إيقاف العملية التربوية، تسبب هذا الحصار وانقطاع المواد الأساسية والكهرباء والمحروقات بشل الحركة حيث لم يعد بالإمكان إكمال المشاريع والخطط التي كانت وضعتها الإدارة الذاتية لتقديم الخدمات للأهالي كتعبيد الطرق وتطوير المراكز العامة كالمشافي والمراكز الصحية، إلى جانب أن انعدام الوقود أدى لارتفاع تكلفة وسائل النقل وسط مخاوف من توقف هذه الوسائل بشكل كامل.
وتتجه مقاطعة الشهباء نحو انعدام أبسط مقومات الحياة، في ظل تدهور قيمة العملة السورية أمام العملات الأجنبية الأخرى والحصار الخانق من قبل قوات حكومة دمشق، ورغم ذلك يقاوم مهجرو عفرين إلى جانب السكان الأصليين، ويتحملون المشقة، والضغوطات، للعودة إلى مسقط رأسهم مجدداً بعد طرد الاحتلال التركي.