في الـ 15 من شهر أيلول/ سبتمبر عام 2014، توجهت جحافل داعش زاحفة باتجاه مدينة كوباني المحاصرة من جهاتها الأربعة، ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى احتل مئات القرى، ووصل إلى تخوم المدينة لتبدأ في شوارعها حربٌ ضروس دامت 134 يومًا.
وقد أصبح يوم الـ 26 من شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2015 تاريخًا لن ينساه أهل كوباني والمنطقة، عندما أعلن المقاومون من داخل أسوار المدينة انتصارهم على داعش.
وبعد هذا التاريخ، بدأ داعش ينهار في شمال وشرق سوريا أمام ضربات وحدات حماية الشعب والمرأة، ثم قوات سوريا الديمقراطية، حتى وصل الأمر خسارة آخر معاقله في بلدة الباغوز في آذار/ مارس عام 2019.
كان داعش قد أرهب العالم، فقد اضطرت عشرات الدول إلى تشكيل تحالفٍ لهزيمته، وكانت المعارك التي خسرها الجيشان العراقي والسوري في مواجهة المرتزقة لا تحصى، والعمليات الإرهابية التي نفذها في مغارب الأرض ومشارقها قد حصدت أرواح المئات من الناس على اختلاف أعراقهم ودياناتهم.
وعلى الرغم من أن داعش قد خرج من الأراضي التي كان يسيطر عليها، لكن خلاياه ما تزال حية وتنشط في مناطق سورية عدة.
خطرٌ جديد يهدد المنطقة والعالم!
يقول الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية في إقليم الفرات، محمد شاهين “على الرغم من القضاء على مرتزقة داعش، إلا أن بعض الخلايا التي تديرها تركيا لا تزال تحاول النيل من الإدارة الذاتية، وما لا يخفى عن الأنظار أولئك المرتزقة الموجودون في عفرين وسري كانيه/ رأس العين، وكري سبي/ تل أبيض، إذ لا يزال المتطرفون في هذه المدن المحتلة يحاولون بشتى السبل أن يسيّروا حكومة راديكالية بقوانين متطرفة”.
ويضيف “في الشمال السوري تكونت الإدارة الذاتية معتمدةً على كافة المكونات، لكن المتطرفين ومن ورائهم الاحتلال التركي يسعون إلى القضاء على هذه الإرادة الحرة، ومنع الشعوب من إدارة نفسها، لكي يتمكنوا من فرض أنظمتهم الراديكالية”.
وفي المناطق السورية التي تحتلها تركيا، تتبلور ملامح دويلة للمتطرفين تعمل تركيا على إنشائها، وقد وثقت جهات كثيرة أسماء المئات من قادة وعناصر سابقين لدى داعش ينشطون في صفوف المجموعات التابعة لتركيا.
وقد صدم العالم عندما ظهرت أعلام داعش في الـ 25 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت خلال مظاهرة خرج بها مرتزقة تركيا ومدنيون في مدينة سري كانيه/ رأس العين المحتلة، للتنديد بتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي قيل إنها “تسيء للإسلام والمسلمين”.
لكن تلك لم تكن إلا حلقة واحدة من سلسلة طويلة تربط تركيا بداعش، إذ أيقن العالم خلال السنوات الأخيرة أنها الداعم الرئيس للمرتزقة في سوريا، ولطالما كانت حدودها مفتوحة أمام تدفق الأجانب إلى سوريا والعراق للانتساب إلى داعش.
إضافة إلى ذلك، فقد كشف عملاء عملوا لصالح تركيا في مناطق الإدارة الذاتية في اعترافات للقوات الأمنية التي ألقت القبض عليهم أن تركيا لديها معسكرات داخل أراضيها تقوم بتدريب السوريين فيها، ومن بين هؤلاء عناصر وقادة سابقون لدى داعش.
يتحدث الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، أنور مسلم، من فوق تلة مشته نور على أطراف مدينة كوباني، ويقول “على مقربة من المكان الذي نجلس فيه الآن، وعلى بعد مسافة 10 أمتار تقريبًا، نفذت المقاتلة في وحدات حماية الشعب آرين ميركان عملية فدائية ضد داعش، بعد أن رفضت تسليم مدينتها له، بهذه الروح انتصرت المقاومة التي جعلت من كوباني شعلة الحرية للعالم كله”.
وأضاف “ولكن دعونا لا نخدع أنفسنا، فحتى الآن لا تزال تركيا تسعى إلى تكرار ذلك السيناريو، ولا تزال تدعم الإرهابيين وتدربهم لهذه الغاية”.
ويوضح أنور مسلم “هذه المناطق الآن تعيش في أمن وأمان بكردها وعربها وتركمانها وأرمنها وسريانها، جميعهم الآن يعيشون سويًا بكل حرية وديمقراطية، ولكن هذه الحياة تتناقض مع مبادئ حكومة العدالة والتنمية، ورأينا ويرى العالم أن المئات من عناصر وأمراء وقضاة داعش انضموا إلى مرتزقة تركيا”.
ويرى مسلم أن هؤلاء لا يهددون مناطق شمال وشرق سوريا فقط، وقد شاهدنا ما جرى في ليبيا وأذربيجان وجنوب كردستان وشمال وشرق سوريا، هؤلاء المرتزقة يعرفهم الأهالي في عفرين وسري كانيه وكري سبي أنهم كانوا ضمن مرتزقة داعش، لكن بلباس جديد وطريقة جديدة، احتوتهم تركيا وأرسلتهم إلى القتال في مناطق عدة”.
‘خطرٌ يحتّم على المجتمع الدولي التحرك’
ويرى مراقبون أن خطر المجموعات المرتزقة التابعين لتركيا لم يعد يقتصر على سوريا وشمال وشرق سوريا تحديدًا، وإنما يتجاوز حدود عدة دول في المنطقة.
فقد كان إرسال تركيا لهؤلاء المرتزقة إلى ليبيا وإقليم ناغورني كاراباخ فضلًا عن وجود خطط لإرسالهم إلى مناطق صراع أخرى، إشارة واضحة إلى أن الخطر بات يهدد العالم بأسره، كما كان خطر داعش قبل أعوام.
يقول الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، أنور مسلم “أثناء مقاومة كوباني وأثناء احتلال عفرين، والاحتلال الذي جرى في باقي المناطق، نبهنا المجتمع الدولي ولا نزال ننبههم إلى الخطر الذي يكمن خلف تدريب تركيا لهؤلاء المرتزقة، والنوايا التي تخفيها تركيا التي تريد من خلالها احتلال مناطق شمال وشرق سوريا وعدة من الدول الأخرى.
لقد رأى العالم هذا مؤخرًا، عندما هاجمت عين عيسى، وقد رأينا الصمت الروسي الذي رافق الهجوم بينما كان من المفترض على روسيا أن تلعب دورها كضامن لوقف إطلاق النار”.
وأكد أنور مسلم أن “تركيا ومرتزقتها لا يريدون لأهل المنطقة العيش بسلام على أرضهم، وقد نبهنا المجتمع الدولي إلى ذلك، وقلنا إن تركيا طرف في تعميق الأزمة السورية وليست طرفًا في الحل.
يجب أن يكون حل الأزمة السورية بأيدي السوريين، فهناك الآن 5 ملايين مواطن يعيشون في شمال وشرق سوريا لا يجب أن تتجاهل الاجتماعات الدولية رأيهم”.
ANHA