تحولت المناطق السورية المحتلة من قبل تركيا إلى ملاذ آمن للمجموعات المرتزقة وتنظيم القاعدة. فمن إدلب التي توجد فيها قواعد لجيش الاحتلال التركي، ينتشر المرتزقة في المناطق السورية الأخرى، فيما يحذر خبراء وصحفيون من أن هناك “دولة خلافة” جديدة تنشأ تحت أنظار المجتمع الدولي.
باتت المناطق السورية التي تحتلها تركيا ملاذاً آمناً للجماعات المرتزقة بما فيها داعش، وعلى الرغم من اختلاف أسمائها، إلا أنها تتقاسم النفوذ في هذه المناطق وتتعايش فيما بينها.
وعلى الرغم من حديث دولة الاحتلال التركي عن سيطرة “هيئة تحرير الشام” على إدلب، إلا أن قوات التحالف الدولي والقوات الأميركية، تمكنت من استهداف العشرات من متزعمي داعش هناك وعلى مقربة من قواعد الجيش التركي.
وفي 27 أكتوبر 2019، استهدفت الطائرات الأميركية متزعم داعش، أبو بكر البغدادي في الريف الشمالي لإدلب وذلك على بعد أمتار من نقطة للقوات التركية، وبعد أقل من ثلاثة أعوام، استهدف الطيران الأميركي المتزعم الثاني لداعش “أبو إبراهيم القرشي” أيضاً في إدلب السورية التي تحتلها تركيا.
وتوجد في إدلب السورية، عدة جماعات إرهابية، منها:
“جبهة النصرة”
تعد “هيئة تحرير الشام” جبهة النصرة سابقاً القوة الأكثر نفوذاً في إدلب، وتعد هذه الجماعة الفرع السوري لتنظيم القاعدة على الرغم من محاولته التخفي وإعلان انفصاله عن التنظيم منذ العام 2016.
وحاول تنظيم القاعدة التغلغل داخل الأراضي السورية والتخفي وراء أسماء يستبدلها في كل وقت مثل “جبهة النصرة وفتح الشام وتحرير الشام”.
“حراس الدين”
تأسس تنظيم “حراس الدين” أواخر فبراير/شباط عام 2018. وكان وقتها فصيلاً ضمن “هيئة تحرير الشام”، النصرة سابقاً.
لكن بعد أن أعلنت “هيئة تحرير الشام” فك ارتباطها عن تنظيم “القاعدة” في يوليو/حزيران 2016، أعلن الفصيل انفصاله عنها بسبب ولاء الأخير العلني لـ “القاعدة” وزعيمها أيمن الظواهري.
ثم انضم إلى “حراس الدين” كل من جيش البادية وجيش الساحل وسرية كابل وسرايا الساحل وجيش الملاحم وجند الشريعة، ليتحول بذلك الفصيل إلى تنظيم في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بحماه واللاذقية.
وسرعان ما انضم إليه العديد ممن يدينون بالولاء لتنظيم “القاعدة” من قيادات “تحرير الشام” الذين رفضوا قرار زعيمها أبو محمد الجولاني بفك الارتباط بالقاعدة.
وبايع تنظيم “حراس الدين” تنظيم القاعدة وأعلن ولاءه لأيمن الظواهري، لينضم إليه لاحقاً العديد من متزعمي “تحرير الشام”.
ويبلغ عدد مسلحيه ما يقارب 1800 عنصر، أغلبهم من الجزيرة العربية، ويُطلق عليهم اسم “الجزراوية”.
ويوجد عناصر التنظيم حالياً في جبال غرب إدلب وجبل باريشا، ومدينة سرمين.
“الحزب التركستاني الإسلامي”
هي جماعة من الموالين القدماء لتنظيم القاعدة، نشأ في مقاطعة شينجيانغ شمال غرب الصين ولكن لها وجود راسخ في سوريا، ويوجد في إدلب.
جيش البادية والملاحم
هما فصيلان صغيران، ولاؤهما الأول والأخير لتنظيم القاعدة الأم، انشقا عن “هيئة تحرير الشام” أواخر عام 2017، بسبب انفصالها عن تنظيم القاعدة.
وأشار جيش “البادية والملاحم” إلى أنهما يقاتلان إلى جانب بعضهما البعض جنوب إدلب، وفي 11 يناير/ كانون الثاني 2018، أصدر “جيش الملاحم” بياناً قال فيه إنه يقاتل جنوب إدلب إلى جانب جيش البادية.
داعش
شارك داعش في الحرب ضد قوات حكومة دمشق في إدلب، واستولى داعش على بعض القرى والبلدات على الحدود بين حماه وإدلب وانتزعتها من قبضة “هيئة تحرير الشام”.
الصحفي السوري والذي ينحدر من عفرين المحتلة، نورهات حسن، أوضح كيفية توزع الجماعات الإرهابية في إدلب، قائلاً: “بالنسبة للانتشار، هناك قرابة الـ ٨ آلاف عنصر للحزب الإسلامي التركستاني في إدلب، وهم يتقاسمون محافظة إدلب مع جبهة النصرة، ويوجد لهم مقرات في جبل الزاوية وسهل الغاب، بينما حراس الدين متماهية ولا تستطيع الظهور كونها تضم أخطر قادة القاعدة الذين يشكلون خطراً على الولايات المتحدة، ونرى كيف أن المسيّرات الأميركية تقصف قادتهم”.
إدلب نقطة انطلاق للإرهاب
وتعد إدلب نقطة انطلاق للجماعات الإرهابية للانتشار في المناطق السورية التي تحتلها تركيا كعفرين وسري كانيه وكري سبي.
الباحث المتخصص في شؤون التنظيمات والحركات المتطرفة، منير أديب، تحدث حول ذلك، قائلاً: “المناطق التي تقع تحت سيطرة تركيا توجد فيها كافة جماعات العنف والتطرف على الرغم من أن هذه التنظيمات تبدو مختلفة ومتناقضة ولكن الغطاء والملاذ والدولة التي توفر الحماية لهذه التنظيمات هي أرادت أن تتواجد هذه التنظيمات في هذه المنطقة وأن يسود بينها السلام. هي التي توفر الملاذ الآمن لهذه التنظيمات وهي التي توفر مناخاً من التعايش بين هذه التنظيمات، خاصة وأنها تحقق مصالحها في هذه المنطقة وهذا يعطي دلالة على أن تركيا هي التي تدعم هذه التنظيمات أو على الأقل تغض الطرف عنها، وتستخدمها أيضاً لمصالح سياسية وعسكرية”.
وعلى الرغم من حديث الاحتلال التركي عن سيطرة ما يسمى “الجيش الوطني” على المناطق التي يحتلها إلا أن هناك نشاط كبير لداعش في هذه المناطق.
وفي 2021، استهدف التحالف الدولي، “أبو حمزة الشحيلي” هو قيادي في ما يسمى مجلس الشورى لداعش وذلك في ريف سري كانية.
وخلال تموز الجاري من عام 2022، أعلن التحالف الدولي استهداف متزعم داعش في سوريا، المدعو ماهر العكال، في ريف عفرين.
الصحفي نورهات حسن، أوضح أنه “في عفرين هناك المئات من عناصر داعش السابقين وقادتهم، انخرطوا في صفوف جماعات محسوبة على المعارضة السورية، فعلى سبيل المثال جل عناصر فصيلي جيش الشرقية وأحرار الشرقية كانوا عناصر وقادة لداعش، توجهوا من دير الزور إلى عفرين وجرابلس والباب واعزاز وادلب. لا يخفى على أحد أن كل فصائل المعارضة تحمل فكر داعش، لكن النفاق الدولي جمعهم في عفرين ومناطق أخرى ولا زالوا يقبلونهم أيضاً”.
وأضاف “أبو حسن المهاجر قتل في جرابلس – أبو بكر البغدادي قتل في منطقة ما بين إدلب وعفرين – عبد الله قرداش قتل أيضاً في منطقة بين إدلب وعفرين – وأخيراً أمير داعش في سوريا قتل في عفرين. إذاً كيف يمكننا تفسير هذا؟، الأمر واضح”.
منير أديب، أشار إلى أن “تركيا أرادت أن توفر الحماية لهذه الأطراف لأنها تعتقد أن كل هذه الأطراف تقوم بما تريده. وبالتالي كل هذه التنظيمات لديها خصومة حقيقية مع المكون الكردي كما أن قوات سوريا الديمقراطية لديها مشكلة حقيقية مع تنظيمات الإسلام السياسي الموجودة في المنطقة فأرادت تركيا أن تواجه المكون الكردي وتواجه قوات سوريا الديمقراطية مواجهة شاملة. هذه المواجهة الشاملة جزء منها علني جزء منها مباشر من خلال عمليات عسكرية تقوم بها تركيا بين الحين والآخر، ومن خلال دعم تنظيمات الإسلام السياسي الموجودة في المنطقة التي لديها خصومة حقيقية مع المكون الكردي أو قوات سوريا الديمقراطية”.
رغم العداء المزمع.. تعايش بين الجماعات الإرهابية
وتتقاسم هذه الجماعات النفوذ فيما بينها في المناطق المحتلة، وعلى الرغم من حالة العداء بين داعش والنصرة على سبيل المثال، إلا أن هناك نشاط لداعش في مناطق الأخيرة.
الصحفي السوري، نورهات حسن، أشار في هذا السياق إلى أن “كافة الفصائل والمجموعات الموجودة في مناطق سيطرة تركيا تحمل نفس أفكار داعش، ليس هناك اختلاف سوى أن داعش دولياً كان إرهابياً، لكن أغلب الفصائل هناك لا زالت تحظى للأسف بقبول دولي”.
وأضاف “مناطق تركيا هي الأرضية المناسبة لانتشار داعش وإعادة استجماع قواه، فكلنا رأينا كيف دعمت تركيا داعش أثناء الحرب على كوباني. كما أن تركيا تستخدم هؤلاء الإرهابيين في تنفيذ الهجمات على شمال وشرق سوريا وما حدث في الحسكة خير دليل على ذلك”.
وأوضح “انتشار حراس الدين وجبهة النصرة وحزب الاسلامي التركستاني هي لدعم المخططات التركية هناك، فتركيا حاولت مراراً وتكراراً إزالة هذه الجماعات من قائمة الإرهاب الأميركية ونجحت في إزالة الحزب الاسلامي التركستاني، وفيما يخص جبهة النصرة، فقد غيّرت اسمها من جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام وثم الاسم الحالي هيئة تحرير الشام وفصلتها عن القاعدة، لكن لم تنجح في إزالتها من قائمة الإرهاب، والأمر نفسه مع حراس الدين. تركيا دائماً تحتاج للمتشددين لتنفيذ خططها عبر الوكلاء، حيث كانت داعش على حدودها لعامين كانت تركيا تتعامل معهم”.
“دولة خلافة” أخرى أمام أنظار المجتمع الدولي
وحول حالة الاقتتال بين هذه المجموعات كما حدث مؤخراً بين “هيئة تحرير الشام” والمجموعات الأخرى على حدود عفرين المحتلة، يؤكد الصحفي نورهات حسن أن “الهدف من إدخال هؤلاء إلى هذه المناطق هو تدميرها وتهجير ما تبقى من سكانها، وتنفيذ مخططات تركيا هناك، لذلك على المجتمع الدولي أن ينظر لهذه المناطق على أنها دولة خلافة أخرى لداعش والجماعات الإرهابية بحماية تركيا”.
وعلى الرغم من حديث القوى الدولية عن محاربة الإرهاب في سوريا، إلا أن جميع الجماعات المرتزقة انتقلت إلى هذه المناطق التي تحتلها تركيا دون أن تكون هناك مواقف دولية واضحة حيال ذلك.
منير أديب، قال حول ذلك: “ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية من دعم لهذه التنظيمات المتطرفة لهدف سياسي وعسكري هو إسقاط روسيا وما فعلته روسيا أيضاً مع الولايات المتحدة عندما قام هؤلاء المتطرفون بإنشاء ما يسمى الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبين فقامت روسيا بدعم هؤلاء المتطرفين؛ لأنها كانت تدرك أن هذه الجبهة ستوجه ضرباتها إلى قلب الولايات المتحدة وإلى حلفائها (اليهود) وهؤلاء هم الذين نجحوا فيما بعد بالقيام بأحداث 2011 سبتمبر على خليفة هذ الجبهة التي دعمت من روسيا”.
وأضاف “ما فعلته أميركا وروسيا قديماً تفعلانه الآن، لأن لا مانع لديهما من دعم تركيا على الرغم من أنها توفر ملاذاً آمناً للتنظيمات المتطرفة، طالما يخدم ذلك أهداف كلا الدولتين ولذلك تغضان الطرف عن تنظيمات الإسلام السياسي مقابل أهداف سياسية تبدو رخيصة. وهذا إن دل على شيء فيدل على أنه لا إرادة حقيقية لدى المجتمع الدولي في مواجهة الإرهاب وإذا توافرت هذه الإرادة فإنه يتم ضرب هذه الإرادة بعرض الحائط مقابل أهداف سياسية رخيصة. هذا ما تفعله الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وكل القوى الدولية”.
المصدر: وكالة هاوار للأنباء